خطبة بعنوان: عناية الله للمؤمنين في الهجرة بين الأخذ بالأسباب والتخطيط الجيد للدكتور السيد عاطف خليل
عناية الله للمؤمنين في الهجرة بين الأخذ بالأسباب والتخطيط الجيد
بتاريخ 10 من محرم 1437هــ – 23 من أكتوبر 2015م
للشيخ/ السيد عاطف خليل
عناصر الخطبة:
العنصر الأول : نماذج من عناية الله للمؤمنين في الهجرة ونصره لهم
العنصر الثاني: من مظاهر عناية الله الأخذ بالأسباب التخطيط الجيد
العنصر الثالث: سنة الأخذ بالأسباب
العنصر الرابع: الأخذ بالأسباب لاينافي الإيمان بالقضاء والقدر
المقدمة: الحمد لله المتفرد بالملك والخلق والتدبير، يعطي ويمنع وهو على كل شيء قدير، له الحكم وله الأمر وهو العليم الخبير، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو اللطيف القدير .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها صادقا من قلبه من أهوال يوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صاحب الشفاعة ، ولا يدخل الجنة إلا من أطاعه ، سيد الأولين ، والآخرين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ، ومن سار على دربهم ، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد:
عبـــــــاد الله : – بعد أن اشتد تضييق طواغيت قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه وقبيلة بني هاشم نظرًا لعدم تسليمه لهم؛ حوصرت في شِعب أبي طالب سنوات ثلاث وقفت القبيلة في حماية دعوةٍ لم يكن أكثرهم بها مؤمنون فكان ذلك تحولٌ في مسيرة الدعوة.
وبعد وفاة أبي طالب والسيدة خديجة رضي الله عنها أشتد الضغط على النبي صلى الله عليه وسلم وازداد إيذاء أصحابه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ولقي من الإيذاء والاستهزاء ما يفطر القلب ويُدمع العين فاضطر إلى العودة إلى مكة بحماية واحد من كبار المكيين القرشيين حينها وكانت هذه الحماية بداية تحولٍ في مسيرة الدعوة.
وبعد العناء الكبير والصبر الطويل طرأ تحول آخر وهو رحلة الإسراء والمعراج جاءت هذه الرحلة لتطمس كل المعاناة السابقة فقد كانت بلسم العزائم المجروحة ارتقت بالحضرة النبوية إلى سدرة المنتهى فزال الهمُّ والغمُّ وكُسي النبي صلى الله عليه وسلم الشرف والمنزلة }فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) {سورة النجم.
ومن التحولات الكبرى في سيرة الدعوة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم: الهجرة إلى المدينة حيث كانت مرحلة فرارٍ جماعيٍّ من مكة إلى المدينة ؛ لكنه كان فرارًا إلى العزة والعهد الجديد في أرض يثرب التي طيبها اللهُ بالرسول وجعلها مأوى الرسالة ومهبط الوحي فصارت طيبة.
كانت الهجرة من أكبر التحولات التي دفع النبيr والصحابةy ثمنا باهظاً فتركوا أعزَّ ما يملكون من وطن وقرابة ومال ودفعوا الغالي والرخيص لينجوا بدينهم ولينتقلوا إلى تحول جديد بالمدينة ينعمون فيه بالأمن والاستقرار والأمان وحفظ الدين.
العنصر الأول : نماذج من عناية الله للمؤمنين في الهجرة ونصره لهم
النموذج الأول : هجرة صهيب الرومي
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَجَرَ، أَوْ يَكُونَ يَثْرِبَ» . قَالَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ، وَصَدَّنِي فَتَيَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ لَا أَقْعُدُ، فَقَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ، وَلَمْ أَكُنْ شَاكِيًا فَنَامُوا فَخَرَجْتُ، فَلَحِقَنِي مِنْهُمْ نَاسٌ بَعْدَمَا سِرْتُ يُرِيدُونَ رَدِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقِيَ مِنْ ذَهَبٍ وَسِيَرَا لِي بِمَكَّةَ، وَتُخَلُّونَ سَبِيلِي، وَتَوْثُقُونَ لِي. فَفَعَلُوا فَتَبِعْتُهُمْ إِلَى مَكَّةَ فَقُلْتُ: احْفُرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ، فَإِنَّ تَحْتَهَا الْأَوَاقِيَ، فَاذْهَبُوا إِلَى فُلَانَةَ بِآيَةِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذُوا الْحُلْيَتَيْنِ، وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «يَا أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ؟» ثَلَاثًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ، وَمَا أَخْبَرَكَ إِلَّا جِبْرِيلُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (رواه الطبراني في الكبير رقم 7296)
عن أنس – نحوه -، ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبا يحيى ربح البيع» قال: وتلا عليه الآية ………….«صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» الحاكم في مستدركه رقم 5700
النموذج الثاني : هجرة آل أبي سلمة المخزومي
كان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين من قريش، من بني مخزوم: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسمه عبد الله، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرًا.
– قال ابن إسحاق: فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- ، قالت: ” لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة.. قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبًا منها حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت.. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت وما معي أحد من خلق الله. قالت فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم علي زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت فقلت: أريد زوجي بالمدينة.. قال: أوما معك أحد؟ قالت فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا. قال والله ما لك من مترك.. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى (عني) إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني، وقال اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية- وكان أبو سلمة بها نازلاً – فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعًا إلى مكة.. قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة. ينظر سيرة ابن هشام 1/469 ، 470
النموذج الثالث : هجرة ضمرة بن جندب
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: احْمِلُونِي، فَأَخْرِجُوني مِنْ أَرْضِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ” فَنَزَلَ الْوَحْيُ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: 100] حَتَّى بَلَغَ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] ” مسند أبي يعلى رقم 2679
النموذج الرابع : ذكاء أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وشجاعتها
عَنْ أَسْمَاءَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ” صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، حِينَ أَرَادَا المَدِينَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُهُ إِلَّا نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ فَفَعَلْتُ فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ ” رواه البخاري رقم 3907
وكان لها مواقف عظيمة في الهجرة أسوق موقفين عظيمين لها.
الموقف الأول : حديث أبي جهل لأسماء وضربه لها
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ ابْن هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكَ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاَللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَتْ: فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفُوا. فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ. وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ … رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا … فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدٍ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ … وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ (السيرة النبوية 1/486، 487)
الموقف الثاني : إِنْفَاقُ أبو بكر مَالَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ الله وتمويه أسماء على جدها
عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن أباه، حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: ” لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم، أو ستة آلاف درهم “. قالت: «وانطلق بها معه» . قالت: ” فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبه، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا “. قالت: ” فأخذت أحجارا، فوضعتها في كوة البيت، كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبه، ضع يدك على هذا المال “. قالت: ” فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن كان قد ترك لكم هذا، فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ “. قالت: «ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك» رواه أحمد في مسنده رقم 26957 ، الكبير للطبراني رقم 235
النموذج الخامس : هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصَّةُ عَيَّاشٍ مَعَهُ ، وما حدث من وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ. فَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: اتَّعَدْتُ، لَمَّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ التَّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِفٍ ، وَقُلْنَا: أَيُّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ.
قَالَ: فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التَّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنَّا هِشَامٌ، وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، وَخَرَجَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ
وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا، حَتَّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَاهُ وَقَالَا:
إنَّ أُمَّكَ قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتَّى تَرَاكَ، وَلَا تَسْتَظِلَّ مِنْ شَمْسٍ حَتَّى تَرَاكَ، فَرَقَّ لَهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَيَّاشُ، إنَّهُ وَاَللَّهِ إنْ يُرِيدَكَ الْقَوْمُ إلَّا لِيَفْتِنُوكَ عَنْ دينك فَاحْذَرْهُمْ، فو الله لَوْ قَدْ آذَى أُمَّكَ الْقَمْلُ لَامْتَشَطَتْ، وَلَوْ قَدْ اشْتَدَّ عَلَيْهَا حَرُّ مَكَّةَ لَاسْتَظَلَّتْ. قَالَ: فَقَالَ: أَبَرُّ قَسَمَ أُمِّي، وَلِي هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَكَ نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا. قَالَ: فَأَبَى عَلَيَّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا، فَلَمَّا أَبَى إلَّا ذَلِكَ، قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: أَمَّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ، فَإِنَّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ، فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَكَ مِنْ الْقَوْمِ رَيْبٌ، فَانْجُ عَلَيْهَا.
فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا بن أَخِي، وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِكَ هَذِهِ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَأَنَاخَ، وَأَنَاخَا لِيَتَحَوَّلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ، ثُمَّ دَخَلَا بِهِ مَكَّةَ، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنَّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكَّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا، ثُمَّ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا.
(كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِمَّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ! قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ 39: 53- 55.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ، وَبَعَثْتُ بِهَا إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي قَالَ: فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي: فَلَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى ، أُصَعِّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوِّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتَّى قُلْتُ: اللَّهمّ فَهِّمْنِيهَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنَّهَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا. قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى بَعِيرِي، فَجَلَسْتُ عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. سيرة ابن هشام 1/ 474 ، 475 ، 476
العنصر الثاني: من مظاهر عناية الله الأخذ بالأسباب والتخطيط الجيد
أيعجز ربنا أن يحمل نبيه من مكة إلى المدينة في طرفة عين وبأي كيفية يشاء كما فعل الله تعالى في الإسراء والمعراج ؟!!
لكن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب النجاة بالتخطيط والتدبير المحكم والهجرة خفية واتخاذ دليل في الصحراء.
إن التخطيط أساس نجاح أي عمل من الأعمال؛ سواء في حياة الفرد أو المنظمة، وهو الطريق الذي يرسم بصورة مسبقة ليسلكه الفرد أو المنظمة عند اتخاذ القرارات وتنفيذ العمل، بشرط أن يكون وفق منهج فكري عقائدي متمثل بالإيمان بالقدر والتوكل على الله، والتخطيط سلوك إسلامي قويم، ومنهج رشيد حثَّ الإسلام على ممارسته في جميع شؤون الحياة؛ لأنه بالتخطيط يحقق المسلم فعالية في عمله وإنتاجه، وكفاءة في أدائه فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:” إعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” رواه الترمذي رقم 2517 وحسنه الألباني.
المظهر الأول: خروج النبي من بينهم سالماً بعد اجتماع قريش على قتله
فقد اجتمعت قريش في دار الندوة لينظروا في أمر محمد وذلك بقيادة أبي جهل ومشاركة إبليس؛ وأجمعوا في نهاية المؤتمر على قتل النبي صلى الله عليه ، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره صلى الله عليه وسلم بمؤامرة قريش، وأن الله أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، قائلاً: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة إلى أبي بكر وأخبره بأن الله أذن له في الخروج، فقال أبوبكر: الصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فبكى أبوبكر من شدة الفرح، تقول عائشة: ما كنت أعلم أن أحداً يبكي من شدة الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، فلما كانت عتمة من الليل؛ أي الثلث الأول اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم؛ وعلم ما يكون منهم قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من تراب فجعل يذره على رؤوسهم وقد أخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه وهو تلو هذه الآيات: }يس وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ{إلى قوله: } وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ{ ( سورة يس: 1- 9 ) ولم يبق منهم رجل إلا وُضع على رأسه تراباً.
ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن، فأتاهم آت لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمداً فقال: خبتم وخسرتم والله قد خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم قالوا: والله ما أبصرناه فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب؛ ثم جعلوا يتطلعون فيرون علياً على الفرش مسجى ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم عليه بُرده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا وقام علي عن الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان قد حدثنا. فسقط في أيديهم وقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فأنزل الله سبحانه:}وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ….{ الآية (سورة الأنفال: 30 ) إنها معجزة عظيمة أن يمر بين الرجال فلا يرونه ويضع على رؤوسهم التراب؛ ضاعت أبصارهم فلا يبصرونه ينظر الرحيق المختوم صـ 148.
المظهر الثاني : حفظه وصاحبه في الغار
لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة أبي بكر في ظهر بيته ومضيا إلى جبل ثور، ولما انتهيا إلى الغار قال أبوبكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك، وكان في الطريق مرة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله؛ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، مرة عن يمينك، ومرة عن شمالك، لا آمن عليك، وتبعهما قريش، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، وروى البخاري رقم (3653) عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ”
فانظر كيف أعمى الله أبصارهم عن رؤيتهما؟! بل لم يدر في خلدهم وجود أحد في الغار !!
المظهر الثالث: حادثة سراقة بن مالك بن جعشم.
لما أيست قريش منهما أرسلوا لأهل السواحل أن من أسر أو قتل أحدهما كان له مائة ناقة، وكان من دأب أبي بكر أنه كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان معروفاً فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل هاد يهديني الطريق؛ فيفهم من كلام أبي بكر أنه يعني به الطريق وإنما يعني سبيل الخير “رواه البخاري “.
وتبعهم في الطريق سراقة بن مالك بن جعشم وكان قد علم من رسل كفار قريش أنهم يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، قال سراقة: بينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني رأيت آنفاً أسودة بالساحل أراها محمدا أو أصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا ؛ ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت، فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت من ظهر البيت فحططت بزجه الأرض وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها تقرب حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغنا الركبتين فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استويت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره.
فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيته من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أنه قال: أخف عنا ؛ فلما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخت يدا فرسه في الأرض فقال: ادع الله لي يا محمد أن يخلصني لله تعالى ولك علي أن أرد الطلب فدعا، فعاد فتبعهم فساخت قوائم فرسه أشد من الأولى فقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله ينجيني مما أنا فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب فدعا له فانطلق راجعاً، قال سراقة: فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما همّ سراقة بالانصراف قال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟! قال سراقة: كسرى بن هرمز صاحب القصر الأبيض في المدائن؟!! قال عليه السلام: كسرى بن هرمز ـ وكان من أقوى الأقوياء في عصره ـ ودارت الأيام دورتها فإذا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكة طريداً شريداً مستتراً بجنح الظلام مهدوراً دمه يعود إليها سيداً فاتحاً تَحُفُّه الألوف المؤلفة من بيض السيوف، وسمر الرماح، ويأتي سراقة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلن إسلامه بين يديه، ويتراءى له ذلك اليوم الذي هم فيه بقتل محمد صلى الله عليه وسلم من أجل مائة من النوق، وبعد أن أسلم أصبحت نوق الدنيا لا تساوي عنده قلامةً من ظفر النبي صلى الله عليه وسلم.(البداية والنهاية لابن كثير 2/ 247 وما بعده ، إمتاع الأسماع للمقريزي 8/ 321 وما بعده )
ودارت الأيام دورتَها كرةً ثانية وآل أمر المسلمين إلى الفاروق عمر رضوان الله تعالى عليه، وفي ذات يوم من آخر أيام خلافته قَدِم على المدينة رُسُلُ سعد بن أبي وقاص، يبشرون عمر بالفتح، ويحملون إلى بيت مال المسلمين الغنائم، وكان من بين هذه الغنائم تاج كسرى المرصع بالدر، وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب، ووشاحه المنظوم بالجوهر، وسواراه، وما لا حصر له من النفائس، نظر عمر إلى هذا كله في دهشة، وجعل يقلبها بقضيب كان بيده زهداً بها، ثم قال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، وكان في حضرته سيدنا علي رضي الله عنه، قال يا أمير المؤمنين: أعجبت من أمانتهم، لقد عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا، وهنا دعا الفاروقُ عمر سراقة بن مالك فألبسه قميص كسرى، ووضع على رأسه تاجَه، وألبسه سواريه، ثم قال عمر لسراقة: بخٍ بخٍ أعيرابي من بني مدلج على رأسه تاج كسرى، وفي يديه سواره.
فحمل عَهْدُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسراقة عدّة نبوءات: منها فتح بلاد فارس، ومنها بقاء سراقة على قيد الحياة إلى أن تُفتح فارس ويلبس سواري كسرى، وهو ما تمّ بعد وفاته صلّى اللّه عليه وسلّم.
المظهر الرابع: شاة أم معبد.
اجتاز النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبه في طريقهما بأم معبد فسألاها هل عندك شيء؟ فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم القرى والشاة عازب؛ لأنهم كانوا مسنتين (مجدبين) ؛ فنظر رسول الله إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم قال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت: بأبي وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا فدرت ؛ فدعا بإناء فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ؛ ثم شرب وكان آخرها شرباً وقال: ساقي القوم آخرهم شرباً ثم حلب فيه ثانياً حتى ملأ الإناء وتركه عندها ثم ارتحلوا.
وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرعها إلى عام الرمادة- وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة- وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا(صباحا ومساء)، وما في الأرض قليل ولا كثير (إمتاع الأسماع للمقريزي 1/61 ، دلائل النبوّة لأبي نعيم ج 2 ص 337)
حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزْلًا ضُحًى، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ وَالشَّاةُ عَازِبٌ حِيَالٌ، وَلَا حَلُوبةَ فِي الْبَيْتِ؟، قَالَتْ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الْوَجْهِ (مشرقه) حَسَنَ الْخَلْقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُحْلَةٌ(عظم البطن) ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ(صغر الرأس) وَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ (أي شدة سواد العينين) وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ (يعني في شعر أجفانه عينيه طول) وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ(بحة)، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمِنْطَقِ، فَصْلٌ لَا هَذِرٌ وَلَا تَزِرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ نَظْمٌ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعٌ لَا يَأْسَ مِنْ طُولٍ(لا تبغضه لفرط طوله) ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ (لا تحتقره) عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ، قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا أَمْرُهُ مَا ذُكِرُ بِمَكَّةَ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا .المعجم الكبير للطبراني 4/48
المظهر الخامس: الصخرة تظل رسول الله ، ولبن شاة الراعي.
قال سيدنا أبوبكر: ” أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ، وَخَلَا الطَّرِيقُ ، فَلَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا ، فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ ، فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّهَا ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً ، ثُمَّ قُلْتُ : نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا ، فَلَقِيتُهُ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟ ، فَقَالَ : لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، قُلْتُ : أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ ، قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : أَفَتَحْلُبُ لِي ، قَالَ : نَعَمْ ، فَأَخَذَ شَاةً ، فَقُلْتُ لَهُ : انْفُضْ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى ، قَالَ : فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى يَنْفُضُ ، فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ، قَالَ : وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ ، فَوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ ، قَالَ : فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ ؟ ، قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا زَالَتِ الشَّمْسُ”( صحيح مسلم رقم 2309)
العنصر الثالث: سنة الأخذ بالأسباب
ـ هذا نبي الله موسى عليه السلام أمره ربه سبحانه وتعالى أن يضرب البحر بعصاه حيث أتبعه فرعون وجنوده يريدون إلحاق الضرر به وبمن آمن معه ، وما العصى إلا سبب من أسباب النصر والظفر على أعداء الله عز وجل قال تعالى } وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ(60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68){ (سورة الشعراء) لو أراد جل جلاله نصر سيدنا موسى دون سبب لفعل ولكن جعل للنصر سبباً حتى يأخذ به كل متوكل ثم يدع النتائج لخالقها.
ـ وهذه مريم بنت عمران عليها السلام في أشد حالات الضعف والوهن حينما كانت في حالة مخاضها وولادتها أمرها ربنا عز وجل بأن تهز بجذع النخلة ومعلوم أن مسك الجزع والهزّ به لا ينزل شيئاً من النخلة والله قادر على أن ينزل لها مائدة عليها أشهى المأكولات؛ ولكن الله أراد أن يعطينا درساً بليغاً في الأخذ بالأسباب حتى ينزل الله لها الخير قال تعالى}وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) { سورة مريم.
ـ والأخذ بالأسباب يكون بالتداوي من الأمراض والشفاء من عند الله تعالى فعَنْ أَبِي خِزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ»: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رواه الترمذي رقم الحديث 2065 ، مسند أحمد رقم 15474
ـ والأخذ بالأسباب يكون أيضاً في طلب الرزق عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: «أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟» قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: «ائْتِنِي بِهِمَا»، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟» قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا»، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: «اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ،»، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا»، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ [ص:121] تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ ” رواه أبو داود رقم 1641 (ضعفه الألباني) ويؤخذ به في حض المسلم على فضائل الأعمال.
العنصر الرابع: الأخذ بالأسباب لاينافي الإيمان بالقضاء والقدر
وإن من دروس العقيدة الإيمان بالقضاء والقدر وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا يتعارض هذا مع الأخذ بالأسباب ، وعلى المسلم أن يتوكل على الله فالأمور بيد مصرف الأمور وهو الله تعالى .
الدعاء : اللهم اشملنا بحفظك وتأييدك ورعايتك، اللهم امنحنا من الأسباب ما يعيننا على طاعتك ورضاك ، اللهم عافنا واعف عنا وعلى طاعتك أعنا ، وإلى غيرك لاتكلنا , ومن شرور خلقك سلمنا ، اللهم ألف على الحق قلوبنا، وأصلح فساد أحوالنا، برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلا هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56)اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين اللهم آمين . وأقم الصلاة،،،،